فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



إشارة إلى ابتهاج الروح بالنعمة لا من حيث إنها بل من حيث إنها صادرة عن المنعم. وقوله: {وآية منك} إشارة إلى كون المائدة دليلًا لأصحاب النظر والاستدلال وقوله: {وارزقنا} إشارة إلى حصة النفس فالحواريون قدّموا غرض النفس وأخروا الأغراض الدينية، وأن عيسى بدأ بالأشراف حتى انتهى إلى الأخس ثم قال: {وأنت خير الرازقين} وهو عروج مرة أخرى من الخلق إلى الخالق، وعند هذا يظهر التفاوت بين النفوس الكاملة والناقصة والمشرقة والمظلمة. اللهم اجعلنا من أهل الكمال والإشراق بعميم فضلك وجسيم طولك {منزلها} بالتخفيف والتشديد بمعنى. وقيل: بالتشديد للتكثير وبالتخفيف مرة واحدة {عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين} قال ابن عباس: يريد مسخهم خنازير. وقيل: قردة. وقيل جنسًا من العذاب لا يكون مؤخرًا إلى الآخرة. {وعذابًا} نصب على المصدر أي تعذيبًا والضمير في {لا أعذبه} للمصدر، ولو أريد بالعذاب ما يعذب به لم يكن بد من الباء في الموضعين، فقيل: أعذبه بعذاب لا أعذب به أحدًا، وأراد بالعالمين عالمي زمانهم.
واختلف في أن عيسى عليه السلام سأل المائدة لنفسه أو سألها لقومه وإن كان أضافها إلى نفسه في الظاهر وكلاهما محتمل. أما نزولها فقد قال مجاهد والحسن: إن المائدة ما نزلت بل القوم لما سمعوا العذاب استغفروا وقالوا: لا نريدها وأكدوا هذا القول بأنه وصف المائدة بكونها عيدًا لأولهم وآخرهم، فلو نزلت لبقي العيد إلى يوم القيامة. وقال جمهور المفسرين: إنها نزلت لأنه سبحانه وعد إنزالها بقوله: {إني منزلها عليكم} ثم إن يوم نزولها كان عيدًا لهم ولمن بعدهم ممن كان على شرعهم. روي أن عيسى عليه السلام لما أراد الدعاء لبس الصوف ثم قال: اللهم أنزل علينا فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين، غمامة فوقها وأخرى تحتها، وهم ينظرون إليها حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى عليه السلام وقال: اللهم اجعلني من الشاكرين، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها مثلة وعقوبة. ثم قال لهم: ليقم أحسنكم عملًا يكشف عنها ويذكر اسم الله ويأكل منها، فقال شمعون رأس الحواريين: أنت أولى بذلك. فقام عيسى عليه السلام فتوضأ وصلى وبكى ثم كشف المنديل وقال: بسم الله خير الرازقين. فإذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوك تسيل دسمًا، وعند رأسها ملح، وعند ذنبها خل وحولها من ألوان البقول ما خلا الكراث، وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون، وعلى الثاني عسل، وعلى الثالث سمن، وعلى الرابع جبن، وعلى الخامس قديد. فقال شمعون: يا روح الله أمن طعام الدنيا أم من طعام الآخرة؟ قال: ليس منهما ولكن شيء اخترعه الله بالقدرة العالية، كلوا ما سألتم واشكروا يمددكم الله ويزدكم من فضله. فقال الحواريون: يا روح الله لو أريتنا من هذه الآية آية أخرى فقال: يا سمكة احيي بإذن الله فاضطربت ثم قال لها: عودي كما كنت فعادت مشوية. ثم طارت المائدة ثم عصوا الله بعدها فمسخوا قردة وخنازير. وقيل إن عيسى عليه السلام كان شرط عليهم أن لا يسرفوا في الأكل ولا يدخروا فعصوا وادخروا فمسخوا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)}.
أجابه إلى سؤاله لهم، ولكن توعدهم بأليم العقاب لو خالفوا بعده لِيَعْلَمَ السالكون أَنَّ المراد إذا حصل، وأَنْ الكرامة إذا تحققت- فالخطر أشدُّ والحالُ من الآفة أقربُ، وكلما كانت الرتبة أعلى كانت الآفة أخفى، ومحن الأكابر إذا حلَّت جلَّت. اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {قال اللهُ إِني منزِّلها عليكم} قرأ نافع، وعاصم، وابن عامر {منزِّلها} بالتشديد، وقرأ الباقون خفيفة.
وهذا وعدٌ بإجابة سؤال عيسى.
واختلف العلماء: هل نزلت، أم لا؟ على قولين.
أحدهما: أنها نزلت، قاله الجمهور، فروى وهب بن منبِّه عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي قال: لما رأى عيسى أنهم قد جدّوا في طلبها لبس جُبَّة من شعر، ثم توضأ، واغتسل، وصفَّ قدميه في محرابه حتى استويا، وألصق الكعب بالكعب، وحاذى الأصابع بالأصابع، ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره، وطأطأ رأسه خضوعًا، ثم أرسل عينيه بالبكاء، فما زالت تسيل دموعه على خده، وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلت الأرض من دموعه حيال وجهه، ثم رفع رأسه إِلى السماء، فقال: اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء فبينما عيسى كذلك، هَبَطَتْ علينا مائدةٌ من السماء، سفرة حمراء بين غمامتين، غمامة من تحتها، وغمامة من فوقها، وعيسى يبكي ويتضرَّع، ويقول: إِلهي اجعلها سلامةً، لا تجعلها عذابًا، حتى استقرَّت بين يديه، والحواريون من حوله، فأقبل هو وأصحابه حتى قعدوا حولها، وإِذا عليها منديلٌ مغطَّى، فقال عيسى: أيكم أوثق بنفسه وأقل بلاءً عند ربه فليأخذ هذا المنديل، وليكشف لنا عن هذه الآية.
قالوا: يا روح الله أنت أولانا بذلك، فاكشف عنها، فاستأنف وضوءًا جديدًا، وصلى ركعتين، وسأل ربه أن يأذن له بالكشف عنها، ثم قعد إِليها، وتناول المنديل، فإذا عليها سمكة مشوية، ليس فيها شوك، وحولها من كل البقل ما خلا الكرَّاث، وعند رأسها الخل، وعند ذنبها الملح، وحولها خمسة أرغفةٍ، على رغيف تمر، وعلى رغيف زيتون، وعلى رغيف خمس رمانات، فقال شمعون رأس الحواريين: يا روح الله أمِن طعام الدنيا هذا، أمِّن طعام الجنة؟ فقال عيسى: سبحان الله أما تنتهون! ما أخوفني عليكم.
قال شمعون: لا وإِله بني إِسرائيل ما أردت بهذا سوءًا.
قال عيسى: ليس ما ترون عليها من طعام الدنيا، ولا من طعام الجنة، إِنما هو شيءٌ ابتدعه الله، فقال له: «كن» فكان أسرع من طرفة عين، فقال الحواريون: يا روح الله إِنما نريد أن ترينا في هذه الآية آية، فقال: سبحان الله! ما اكتفيتم بهذه الآية؟! ثم أقبل على السمكة فقال: عودي بإذن الله حيةً طريةً، فعادت تضطرب على المائدة، ثم قال: عودي كما كنت، فعادت مشوية، فقال: يا روح الله كن أنت أول من يأكل منها، فقال: معاذ الله بل يأكل منها مَن سألها، فلما رأوا امتناعه، خافوا أن يكون نزولها عقوبة، فلما رأى عيسى ذلك دعا لها الفقراء والزَّمنى واليتامى، فقال: كلوا من رزق ربكم، ودعوة نبيكم، ليكون مهنؤها لكم، وعقوبتها على غيركم، فأكل منها ألف وسبعمائة إِنسان، يصدرون عنها شباعًا وهي كهيئتها حين نزلت، فصحَّ كل مريض، واستغنى كل فقير أكل منها، ثم نزلت بعد ذلك عليهم، فازدحموا عليها، فجعلها عيسى نوبًا بينهم، فكانت تنزل عليهم أربعين يومًا، تنزل يومًا وتغبُّ يومًا، وكانت تنزل عند ارتفاع الضحى، فيأكلون منها حتى إِذا قالوا، ارتفعت إِلى السماء وهم ينظرون إِلى ظلها في الأرض.
وقال قتادة: كانت تنزل عليهم بكرةً وعشية، حيث كانوا.
وقال غيره: نزلت يوم الأحد مرتين.
وقيل: نزلت غدوة وعشية يوم الأحد، فلذلك جعلوه عيدًا.
وفي الذي كان على المائدة ثمانية أقوال:
أحدها: أنه خبز ولحم، روي عن عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نزلت المائدة من السماء خبزًا ولحمًا».
والثاني: أنها سمكة مشوية، وخمس أرغفة، وتمر، وزيتون، ورمان.
وقد ذكرناه عن سلمان.
والثالث: ثمرٌ من ثمار الجنة، قاله عمار بن ياسر، وقال قتادة: ثمرٌ من ثمار الجنة، وطعامٌ من طعامها.
والرابع: خبزٌ، وسمكٌ، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وأبو عبد الرحمن السلمي.
والخامس: قطعةٌ من ثريد، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والسادس: أنه أنزل عليها كل شيء إِلا اللحم، قاله سعيد بن جبير.
والسابع: سمكةٌ فيها طعم كلِّ شيءٍ من الطعام، قاله عطية العوفي.
والثامن: خبز أرز وبقل، قاله ابن السائِب.
والقول الثاني: أنها لم تنزل، روى قتادة عن الحسن أن المائِدة لم تنزل، لأنه لما قال الله تعالى: {فمن يكفر بعدُ منكم فاني أٌعذبه عذابًا لا أُعذبه أحدًا من العالمين} قالوا: لا حاجة لنا فيها.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: أُنزلت مائدة عليها ألوانٌ من الطعام، فعرضها عليهم، وأخبرهم أنه العذاب إِن كفروا، فأبوها فلم تنزل.
وروى ليث عن مجاهد قال: هذا مثلٌ ضربه الله تعالى لخلقه، لينهاهم عن مسألة الآيات لأنبيائه، ولم ينزل عليهم شيء، والأول أصح.
قوله تعالى: {فمن يكفر بعد منكم} أي: بعد إِنزال المائدة.
وفي العذاب المذكور قولان:
أحدهما: أنه المسخ.
والثاني: جنسٌ من العذاب لم يعذَّب به أحد سواهم.
قال الزجاج: ويجوز أن يعجل لهم في الدنيا، ويجوز أن يكون في الآخرة.
وفي {العالمين} قولان:
أحدهما: أنه عام.
والثاني: عالمو زمانهم.
وقد ذكر المفسرون أن جماعة من أصحاب المائدة مسخوا.
وفي سبب مسخهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم أمروا أن لا يخونوا، ولا يدَّخِروا، فخانوا وادخروا، فمسخوا قردةً وخنازير، رواه عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أن عيسى خصَّ بالمائدة الفقراء، فتكلم الأغنياء بالقبيح من القول، وشكَّكوا الناس فيها، وارتابوا، فلما أمسى المرتابون بها، وأخذوا مضاجعهم، مسخهم الله خنازير، قاله سلمان الفارسي.
والثالث: أن الذين شاهدوا المائدة، ورجعوا إِلى قومهم، فأخبروهم، فضحك بهم من لم يشهد، وقالوا: إِنما سحر أعينكم، وأخذ بقلوبكم، فمن أراد الله به خيرًا، ثبت على بصيرته، ومن أراد به فتنة، رجع إِلى كفره.
فلعنهم عيسى، فأصبحوا خنازير، فمكثوا ثلاثة أيام، ثم هلكوا، قاله ابن عباس. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قال الله} عز وجل مجيبًا لعيسى {إني منزلها عليكم} يعني المائدة {فمن يكفر بعد منكم} يعني بعد نزول المائدة {فإني أعذبه عذابًا} يعني جنسًا من العذاب {لا أعذبه أحدًا من العالمين} يعني من عالمي زمانهم فجحدوا وكفروا بعد نزل المائدة فمسخوا خنازير.
قال الزجاج: ويجوز أن يكون هذا العذاب معجلًا في الدنيا ويجوز أن يكون مؤخرًا إلى الآخرة.
قال عبد الله بن عمر: إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون.
واختلف العلماء في نزول المائدة فقال الحسن ومجاهد: لم تنزل المائدة لأن الله لما أوعدهم على كفرهم بالعذاب بعد نزول المائدة خافوا أن يكفر بعضهم فاستعفوا وقالوا: لا نريدها فلم تنزل عليهم فعلى هذا القول يكون معنى قوله تعالى: {إني منزلها عليكم} إن سألتم نزولها والصحيح الذي عليه جمهور العلماء والمفسرين أنها نزلت لأن الله تعالى قال: {إني منزلها عليكم} وهذا وعد من الله بإنزالها ولا خلف في خبره ووعده ولما روي عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت المائدة من السماء خبزًا ولحمًا وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا لغد، فمسخوا قردة وخنازير أخرجه الترمذي.